‏بين_الشريعة_والحقيقة‬ .

‏بين_الشريعة_والحقيقة‬ .

______________________________________________ قال الإمام القشيري في ذلك: "الشريعة أمر بالتزام العبودية، والحقيقة مشاهدة الربوبية، وكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فأمرها غير مقبول، وكل حقيقة غير مقيَّدة بالشريعة فأمرها غير محصول، والشريعة جاءت بتكليف من الخالق، والحقيقة إنباء عن تصريف الحق، فالشريعة أن تعبده، والحقيقة أن تشهده، والشريعة قيام بما أمر، والحقيقة شهود لما قضى وقدّر، وأخفى وأظهر".[4] ومن هنا ندرك التلازم الوثيق بين الشريعة والحقيقة كتلازم الروح والجسد، والمؤمن المتحقق هو الذي يجمع بين الشريعة والحقيقة، وهذا ما يصبوا إليه الصوفية، مقتفين بذلك أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم. ولذا يقول الصوفية في قواعدهم المشهورة: "كل حقيقة خالفت الشريعة فهي زندقة".[5] فالشريعة شجرة تثمر الحقائق، ولا حقيقة بدون شريعة، كما لا ثمار بدون أشجار. وفي ذلك قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: "من تصوف ولم يتفقه، فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوف، فقد تفسّق، ومن جمع بينهما فقد تحقق".[6] وقد علق الشيخ أحمد زروق على كلام الإمام مالك قائلا: "تزندق الأول: لأنه قال بالجبر الموجب لنفي الحكمة والأحكام. وتفسّق الثاني: لخلو عمله من التوجه الحاجب منهما عن معصية الله، ومن الإخلاص المشترط في العمل لله. وتحقّق الثالث: لقيامه بالحقيقة في عين التمسك بالحق، فاعرف ذلك".[7] ورمى ابن تيمية من أنكر علم الباطن بالكفر، وبأن منكِر هذا العلم شرّ من اليهود والنصارى؛ فالمرء في قوله إذا قال: "أنا محتاج إلى محمد في علم الظاهر دون علم الباطن، أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة، فهو شر من اليهود والنصارى. وكذلك هذا الذي يقول: إن محمدا بُعث بعلم الظاهر دون علم الباطن آمن ببعض ما جاء به وكفر ببعض، فهو كافر وهو أكفر من أولئك، لأن علم الباطن، الذي هو علم إيمان القلوب ومعارفها وأحوالها، هو علم بحقائق ا.[8] وذكر الإمام الشاطبي في "الاعتصام" أن أبا علي الدقاق- وكان من أقران الجنيد- قال: "كنت مارّا في تيه بني إسرائيل، فخطر ببالي أن علم الحقيقة مباين لعلم الشريعة، فهتف بي هاتف: كل حقيقة لا تتبعها الشريعة فهي كفر".[9] ____________ يتبع ____________ 4 - الرسالة القشيرية في علم التصوف، أبو القاسم القشيري 5 - حقائق عن التصوف، عبد القادر عيسى 6 - حقائق عن التصوف، عبد القادر عيسى 7 - قواعد التصوف، أحمد زروق 8 - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ابن تيمية 9 - الاعتصام، الشاطبي