• Breaking News

    مفاهيم يجب تصحيحها

    اهمية التصوف

    ٢٠١٥٠٢٢٤١٣٠١٥٠ إن التكاليف الشرعية التي أُمر بها الإنسان في خاصة نفسه ترجع إلى قسمين: أحكام تتعلق بالأعمال الظاهرة، وأحكام تتعلق بالأعمال الباطنة، أو بعبارة أخرى: أحكام تتعلق ببدن الإنسان وجسمه، وأعمال تتعلق بقلبه. فالأعمال الجسمية نوعان: أوامر ونواهٍ ؛ فالأوامر الإلهية هي: كالصلاة والزكاة والحج... وأما النواهي فهي: كالقتل والزنى والسرقة وشرب الخمر... وأما الأعمال القلبية فهي أيضاً: أوامر ونواهٍ ؛ أما الأوامر: فكالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله... وكالإخلاص والرضا والصدق والخشوع والتوكل... وأما النواهي: فكالكفر والنفاق والكبر والعجب والرياء والغرور والحقد والحسد. وهذا القسم الثاني المتعلق بالقلب أهم من القسم الأول عند الشارع ـ وإن كان الكل مُهمَّاً ـ لأن الباطن أساس الظاهر ومصدره، وأعماله مبدأ أعمال الظاهر، ففي فساده إخلال بقيمة الأعمال الظاهرة، وفي ذلك قال تعالى: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} [الكهف: 110]. ولهذا كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوجه اهتمام الصحابة لإصلاح قلوبهم، ويبين لهم أن صلاح الإنسان متوقف على إصلاح قلبه وشفائه من الأمراض الخفية والعلل الكامنة، وهو الذي يقول: «ألا وإن في الجسد مُضغة إذا صلحتْ صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»(رواه البخاري). كما كان عليه الصلاة والسلام يعلمُهم أن محل نظر الله إلى عباده إنما هو القلب: «إن الله لا ينظرُ إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظرُ إلى قلوبكم»(أخرجه مسلم). فما دام صلاح الإنسان مربوطاً بصلاح قلبه الذي هو مصدر أعماله الظاهرة، تعيَّن عليه العمل على إصلاحه بتخليته من الصفات المذمومة التي نهانا الله عنها، وتحليته بالصفات الحسنة التي أمرنا الله بها، وعندئذٍ يكون القلب سليماً صحيحاً، ويكون صاحبه من الفائزين الناجين {يوم لاينفع مال ولابنون*إلا من أتى الله بقلب سليم} [الشعراء: 88ـ 89]. قال الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله: (وأما علم القلب ومعرفة أمراضه من الحسد والعجب والرياء ونحوها، فقال الغزالي: إنها فرض عين) فتنقية القلب، وتهذيب النفس، من أهم الفرائض العينية وأوجب الأوامر الإلهية، بدليل ما ورد في الكتاب والسنة وأقوال العلماء. آ ـ فمن الكتاب: 1ـ قوله تعالى: { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [الأعراف: 33]. 2ـ وقوله تعالى: {ولاتقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [الأنعام: 151]. والفواحش الباطنة كما قال المفسرون هي: الحقد والرياء والحسد والنفاق... ب ـ ومن السنة: 1ـ كل الأحاديث التي وردت في النهي عن الحقد والكبر والرياء والحسد... وأيضاً الأحاديث الآمرة بالتحلي بالأخلاق الحسنة والمعاملة الطيبة فلتراجع في مواضعها. 2ـ والحديث «الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة: فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»(البخاري). فكمال الإيمان بكمال هذه الشعب والتحلي بها، وزيادته بزيادة هذه الصفات، ونقصه بنقصها، وإن الأمراض الباطنة كافية لإحباط أعمال الإنسان، ولو كانت كثيرة. ج ـ وأما أقوال العلماء: لقد عدَّ العلماء الأمراض القلبية من الكبائر التي تحتاج إلى توبة مستقلة، قال صاحب «جوهرة التوحيد»: وأمُرْ بعرفٍ واجتنبْ نميمةْوغيبةً وخَصلةً ذميمةْ كالعجب والكبرِ وداء الحسدِوكالمراءِ والجدلْ فاعتمدِ يقول شارحها عند قوله ـ وخصلة ذميمة ـ: أي واجتنب كل خصلة ذميمة شرعاً، وإنما خصَّ المصنف ما ذكره؛ يعد اهتماماً بعيوب النفس، فإن بقاءها مع إصلاح الظاهر كلبس ثياب حسنة على جسم ملطَّخ بالقاذورات، ويكون أيضاً كالعجب وهو رؤية العبادة واستعظامُها، كما يعجب العابد بعبادته والعالم بعلمه، فهذا حرام، وكذلك الرياء فهو حرام. ومثل العجب الظلمُ والبغي والكبر وداء الحسد والمراء والجدل(شرح الجوهرة للبيجوري). ويقول الفقيه الكبير العلامة ابن عابدين في حاشيته الشهيرة: (إن علمَ الإخلاص والعجب والحسد والرياء فرضُ عين، ومثلها غيرها من آفات النفوس، كالكبر والشح والحقد والغش والغضب والعداوة والبغضاء والطمع والبخل والبطر والخيلاء والخيانة والمداهنة، والاستكبار عن الحق والمكر والمخادعة والقسوة وطول الأمل، ونحوها مما هو مبين في ربع المهلكات من «الإحياء». قال فيه: ولا ينفك عنها بشر، فيلزمه أن يتعلم منها ما يرى نفسه محتاجاً إليه. وإزالتها فرض عين، ولا يمكن إلا بمعرفة حدودها وأسبابها وعلاماتها وعلاجها، فإن من لا يعرف الشر يقع فيه)(1). ويقول صاحب «الهدية العلائية»: (وقد تظاهرت نصوص الشرع والإجماع على تحريم الحسد، واحتقار المسلمين، وإرادة المكروه بهم، والكبر والعجب والرياء والنفاق، وجملة الخبائث من أعمال القلوب، بل السمع والبصر والفؤاد، كل ذلك كان عنه مسؤولاًـ¥ ا فإذا أخلص لله، وبما كلفه به وارتضاه، قام فأدَّاه، حفَّتهُ العناية حيثما توجه وتيمَّم، وعلَّمه ما لم يكن يعلم. قال الطحطاوي في «الحاشية»: دليله قوله تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله}(1) [البقرة:282 ]). فكما لا يحسن بالمرء أن يظهر أمام الناس بثياب ملطخة بالأقذار والأدران، لا يليق به أن يترك قلبه مريضاً بالعلل الخفية، وهو محل نظر الله سبحانه وتعالى, تطَبِّبُ جسمَك الفاني ليبقى****وتترك قلبَك الباقي مريضاً لأن الأمراض القلبية سبب بُعد العبد عن الله تعالى ، وبعده عن جنته الخالدة ؛ قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ): «لا يدخلُ الجنةَ مَنْ كان في قلبه مثقالُ ذرة مِنْ كبر»(رواه مسلم). وعلى هذا فسلامة الإنسان في آخرته هي في سلامة قلبه، ونجاتُه في نجاته من أمراضه المذكورة. وقد تخفى على الإنسان بعض عيوب نفسه، وتدق عليه علل قلبه، فيعتقد في نفسه الكمال، وهو أبعد ما يكون عنه، فما السبيل إلى اكتشاف أمراضه، والتعرف على دقائق علل قلبه ؟ وما الطريق العملي إلى معالجة هذه الأمراض، والتخلص منها ؟ إن التصوف هو الذي اختص بمعالجة الأمراض القلبية، وتزكية النفس والتخلص من صفاتها الناقصة.

    ليست هناك تعليقات:

    Fashion

    Beauty

    Travel