• Breaking News

    مفاهيم يجب تصحيحها

    حقيقة حسن الخلق

    بيان حقيقة حسن الخلق وسوء الخلق
    لم أن الناس قد تكلموا في حقيقة حسن الخلق وأنه ما هو وما تعرضوا لحقيقته وإنما تعرضوا لثمرته ثم لم يستوعبوا جميع ثمراته بل ذكر كل واحد من ثمراته ما خطر له وما كان حاضرا في ذهنه ولم يصرفوا العناية إلى ذكر حده وحقيقته المحيطة بجميع ثمراته على التفصيل والاستيعاب وذلك كقول الحسن حسن الخلق بسط الوجه وبذل الندى وكف الأذى وقال الواسطي هو أن لا يخاصم ولا يخاصم من شدة معرفته بالله تعالى وقال شاه الكرماني هو كف الأذى واحتمال المؤن وقال بعضهم هو أن يكون من الناس قريبا وفيما بينهم غريبا وقال الواسطي مرة هو إرضاء الخلق في السراء والضراء وقال أبو عثمان هو الرضا عن الله تعالى وسئل سهل التستري عن حسن الخلق فقال أدناه الاحتمال وترك المكافأة والرحمة للظالم والاستغفار له والشفقة عليه وقال مرة أن لا يتهم الحق في الرزق ويثق به ويسكن إلى الوفاء بما ضمن فيطيعه ولا يعصيه في جميع الأمور فيما بينه وبينه وفيما بينه وبين الناس وقال علي رضي الله عنه حسن الخلق في ثلاث خصال اجتناب المحارم وطلب الحلال والتوسعة على العيال وقال الحسين بن منصور هو أن لا يؤثر فيك جفاء الخلق بعد مطالعتك للحق وقال أبو سعيد الخراز هو أن لا يكون لك هم غير الله تعالى فهذا وأمثاله كثير وهو تعرض لثمرات حسن الخلق لا لنفسه ثم ليس هو محيطا بجميع الثمرات أيضاوكشف الغطاء عن الحقيقة أولى من نقل الأقاويل المختلفة فنقول الخلق والخلق عبارتان مستعملتان معا يقال فلان حسن الخلق والخلق أي حسن الباطن والظاهر فيراد بالخلق الصورة الظاهرة ويراد بالخلق الصورة الباطنة وذلك لأن الإنسان مركب من جسد مدرك بالبصر ومن روح ونفس مدرك بالبصيرة ولكل واحد منهما هيئة وصورة إما قبيحة وإما جميلة فالنفس المدركة بالبصيرة أعظم قدرا من الجسد المدرك بالبصر ولذلك عظم الله أمره بإضافته إليه إذ قال تعالى إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فنبه على أن الجسد منسوب إلى الطين والروح إلى رب العالمين والمراد بالروح والنفس في هذا المقام واحد فالخلق عبارة عن هيئة في النفس راسخة عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلا وشرعا سميت تلك الهيئة خلقا حسنا وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقا سيئا وإنما قلنا إنها هيئة راسخة لأن من يصدر منه بذل المال على الندور لحاجة عارضة لا يقال خلقه السخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه ثبوت رسوخ وإنما اشترطنا أن تصدر منه الأفعال بسهولة من غير روية لأن من تكلف بذل المال أو السكوت عند الغضب بجهد وروية لا يقال خلقه السخاء والحلم فههنا أربعة أمور أحدها فعل الجميل والقبيح والثاني القدرة عليهما والثالث المعرفة بهما والرابع هيئة للنفس بها تميل إلى أحد الجانبين ويتيسر عليها أحد الأمرين إما الحسن وإما القبيح وليس الخلق عبارة عن الفعل فرب شخص خلقه السخاء ولا يبذل إما لفقد المال أو لمانع وربما يكون خلقه البخل وهو يبذل إما لباعث أو لرياء وليس هو عبارة عن القوة لأن نسبة القوة إلى الإمساك والإعطاء بل إلى الضدين واحد وكل إنسان خلق بالفطرة قادر على الإعطاء والإمساك وذلك لا يوجب خلق البخل ولا خلق السخاء وليس هو عبارة عن المعرفة فإن المعرفة تتعلق بالجميل والقبيح جميعا على وجه واحد بل هو عبارة عن المعنى الرابع وهو الهيئة التي بها تستعد النفس لأن يصدر منها الإمساك أو البذل فالخلق إذا عبارة عن هيئة النفس وصورتها الباطنة وكما أن حسن الصورة الظاهرة مطلقا لا يتم بحسن العينين دون الأنف والفم والخد بل لا بد من حسن الجميع ليتم حسن الظاهر فكذلك في الباطن أربعة أركان لا بد من الحسن في جميعها حتى يتم حسن الخلق فإذا استوت الأركان الأربعة واعتدلت وتناسبت حصل حسن الخلق وهو قوة العلم وقوة الغضب وقوة الشهوة وقوة العدل بين هذه القوى الثلاث أما قوة العلم فحسنها وصلاحها في أن تصير بحيث يسهل بها درك الفرق بين الصدق والكذب في الأقوال وبين الحق والباطل في الاعتقادات وبين الجميل والقبيح في الأفعال فإذا صلحت هذه القوة حصل منها ثمرة الحكمة والحكمة رأس الأخلاق الحسنة وهي التي قال الله فيها ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وأما قوة الغضب فحسنها في أن يصير انقباضها وانبساطها على حد ما تقتضيه الحكمة وكذلك الشهوة حسنها وصلاحها في أن تكون تحت إشارة الحكمة أعني إشارة العقل والشرع وأما قوة العدل فهو ضبط الشهوة والغضب تحت إشارة العقل والشرع فالعقل مثاله مثال الناصح المشير وقوة العدل هي القدرة ومثالها مثال المنفذ الممضي لإشارة العقل والغضب هو الذي تنفد فيه الإشارة ومثاله مثال كلب الصيد فإنه يحتاج إلى أن يؤدب حتى يكون استرساله وتوقفه بحسب الإشارة لا بحسب هيجان شهوة النفس والشهوة مثالها مثال الفرس الذي يركب في طلب الصيد فإنه تارة يكون مروضا مؤدبا وتارة يكون جموحا فمن استوت فيه هذه الخصال واعتدلت فهو حسن الخلق مطلقا ومن اعتدل فيه بعضها دون البعض فهو حسن الخلق بالإضافة إلى ذلك المعنى خاصة كالذي يحسن بعض أجزاء وجهه دون بعض وحسن القوة الغضبية واعتدالها يعبر عنه بالشجاعة
    وحسن قوة الشهوة واعتدالها يعبر عنه بالعفة فإن مالت قوة الغضب عن الاعتدال إلى طرف الزيادة تسمى تهورا وإن مالت إلى الضعف والنقضان تسمى جبنا وخورا وإن مالت قوة الشهوة إلى طرف الزيادة تسمى شرها وإن مالت إلى النقصان تسمى جمودا والمحمود هو الوسط وهو الفضيلة والطرفان رذيلتان مذمومتان والعدل إذا فات فليس له طرفا زيادة ونقصان بل له ضد واحد ومقابل وهو الجور وأما الحكمة فيسمى إفراطها عند الاستعمال في الأغراض الفاسدة خبثا وجربزة ويسمى تفريطها بلها والوسط هو الذي يختص باسم الحكمة فإذن أمهات الأخلاق وأصولها أربعة الحكمة والشجاعة والعفة والعدل ونعني بالحكمة حالة للنفس بها يدرك الصواب من الخطأ في جميع الأفعال الاختيارية ونعني بالعدل حالة للنفس وقوة بها تسوس الغضب والشهوة وتحملهما على مقتضى الحكمة وتضبطهما في الاسترسال والانقباض على حسب مقتضاها ونعني بالشجاعة كون قوة الغضب منقادة للعقل في إقدامها وإحجامها ونعني بالعفة تأدب قوة الشهوة بتأديب العقل والشرع فمن اعتدال هذه الأصول الأربعة تصدر الأخلاق الجميلة كلها إذ من اعتدال قوة العقل يحصل حسن التدبير وجودة الذهن وثقابة الرأي وإصابة الظن والتفطن لدقائق الأعمال وخفايا آفات النفوس ومن إفراطها تصدر الجربزة والمكر والخداع والدهاء ومن تفريطها يصدر البله والغمارة والحمق والجنون وأعني بالغمارة قلة التجربة في الأمور مع سلامة التخيل فقد يكون الإنسان غمرا في شيء دون شيء والفرق بين الحمق الجنون أن الأحمق مقصوده صحيح ولكن سلوكه الطريق فاسد فلا تكون له روية صحيحة في سلوك الطريق الموصل إلى الغرض وأما المجنون فإنه يحتار ما لا ينبغي أن يختار فيكون أصل اختياره وإيثاره فاسدا وأما خلق الشجاعة فيصدر منه الكرم والنجدة والشهامة وكسر النفس والاحتمال والحلم والثبات وكظم الغيظ والوقار والتودد وأمثالها وهي أخلاق محمودة وأما إفراطها وهو التهور فيصدر منه الصلف والبذخ والاستشاطة والتكبر والعجب وأما تفريطها فيصدر منه المهانة والذلة والجزع والخساسة وصغر النفس والانقباض عن تناول الحق الواجب وأما خلق العفة فيصدر منه السخاء والحياء والصبر والمسامحة والقناعة والورع واللطافة والمساعدة والظرف وقلة الطمع وأما ميلها إلى الإفراط أو التفريط فيحصل منه الحرص والشره والوقاحة والخبث والتبذير والتقتير والرياء والهتكة والمجانة والعبث والملق والحسد والشماتة والتذلل للأغنياء واستحقار الفقراء وغير ذلك فأمهات محاسن الأخلاق هذه الفضائل الأربعة وهي الحكمة والشجاعة والعفة والعدل والباقي فروعها ولم يبلغ كمال الاعتدال في هذه الأربع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس بعده متفاوتون في القرب والبعد منه فكل من قرب منه في هذه الأخلاق فهو قريب من الله تعالى بقدر قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من جمع كمال هذه الأخلاق استحق أن يكون بين الخلق ملكا مطاعا يرجع الخلق كلهم إليه ويقتدون به في جميع الأفعال ومن انفك عن هذه الأخلاق كلها واتصف بأضدادها استحق أن يخرج من بين البلاد والعباد فإنه قد قرب من الشيطان اللعين المبعد فينبغي أن يبعد كما أن الأول قريب من الملك المقرب فينبغي أن يقتدي به ويتقرب إليه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث إلا ليتمم مكارم الأخلاق كما قال حديث بعثت لأتمم مكارم الأخلاق تقدم في آداب الصحبة وقد أشار القرآن إلى هذه الأخلاق في أوصاف المؤمنين فقال تعالى إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون فالإيمان بالله وبرسوله من غير ارتياب هو قوة اليقين وهو ثمرة العقل ومنتهى الحكمة والمجاهدة بالمال هو السخاء الذي يرجع إلى ضبط قوة الشهوة والمجاهدة بالنفس هي الشجاعة التي ترجع إلى استعمال قوة الغضب على شرط العقل وحد الاعتدال فقد وصف الله تعالى الصحابة فقال أشداء على الكفار رحماء بينهم إشارة إلى أن للشدة موضعا وللرحمة موضعا فليس الكمال في الشدة بكل حال ولا في الرحمة بكل حال فهذا بيان معنى الخلق وحسنه وقبحه وبيان أركانه وثمراته وفروعه.

    ليست هناك تعليقات:

    Fashion

    Beauty

    Travel