• Breaking News

    مفاهيم يجب تصحيحها

    تعظيم النبى بعد موته


    فصل
    في تعظيم النبي بعد موته
    و اعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه و سلم بعد موته ، و توقيره و تعظيمه ، لازم كما كان حال حياته ، و ذلك عند ذكره صلى الله عليه و سلم ، و ذكر حديثه و سنته ، و سماع اسمه و سيرته ، و معاملة آله و عترته ، و تعظيم أهل بيته و صحابته .
    و قال أبو إبراهيم التجيبي : واجب على كل مؤمن متى ذكره ، أو ذكر عنده ـ أن يخضع و يخشع ، و يتوقر و يسكن من حركته ، و يأخذ في هيبته و إجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه ، و يتأدب بما أدبنا الله به .
    قال القاضي أبو الفضل : و هذه كانت سيرة سلفنا الصالح و أئمتنا الماضين رضي الله عنهم .
    حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري ، و أبو القاسم أحمد ابن بقي الحاكم ، و غير واحد ، فيما أجازونيه ، قالوا : أنبأنا أبو العباس أحمد بن عمر ابن دلهاث ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن فهر ، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد ابن الفرج ، حدثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب ، حدثنا يعقوب بن إسحاق ابن أبي إسرائيل ، حدثنا ابن حميد ، قال ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال له مالك : يا أمير المؤمنين ، لا ترفع صوتك في هذا المسجد ، فإن الله تعالى أدب قوماً فقال : لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون [ سورة الحجرات / 49 ، الآية : 2 ] .
    و مدح قوماً فقال : إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم [ سورة الحجرات / 49 ، الآية : 3 ] .
    و ذم قوماً فقال : إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون و إن حرمته كحرمته حياً .
    فاستكان لها أبو جعفر ، و قال : يا أبا عبد الله ، أأستقبل القبلة و أدعوا أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : و لم تصرف وجهك عنه و هو وسيلتك و وسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة ؟ بل استقبله و استشفع به ، فيشفعك الله ، قال الله تعالى : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما [ سورة النساء / 4 ، الآية : 64 ] .
    و قال مالك ـ وقد سئل عن أيوب السختياني : ما حدثتكم عن أحد إلا و أيوب أفضل منه :
    و قال : وحج حجتين ، فكنت أرمقه و لا أسمع منه ، غير أنه كان إذا ذكر النبي صلى الله عليه و سلم بكى حتى أرحمه .
    فلما رأيت منه ما رأيت ، و إجلاله للنبي صلى الله عليه و سلم كتب عنه .
    و قال مصعب بن عبد الله : كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه و سلم يتغير لونه ، و ينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه ، فقيل له يوماً في ذلك ، فقال لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم علي ما ترون ، و لقد كنت أرى محمد ابن المنكدر ، وكان سيد القراء لا نكاد نسأله عن حديث أبداً إلا يبكي حتى نرحمه .
    و لقد كنت أرى جعفر بن محمد الصادق ، و كان كثير الدعابة و التبسم ، فإذا ذكر [ 154 ] عنده النبي صلى الله عليه و سلم اصفر . و ما رأيته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا على طهارة .
    و قد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال : إما مصلياً ، و إما صامتاً ، و إما يقرأ القرآن ، و لا يتكلم فيما لا يعنيه ، و كان من العلماء و العباد الذين يخشون الله عز و جل .
    و لقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي صلى الله عليه و سلم فينظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم ، و قد جف لسانه في فمه هيبةً لرسول الله صلى الله عليه و سلم .
    و لقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير فإذ ا ذكر عنده النبي صلى الله عليه و سلم بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع .
    و لقد رأيت الزهري ـ و كان من أهنأ الناس و أقربهم ، فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه و سلم فكأنه ما عرفك و لا عرفته .
    و لقد كنت آتي صفوان بن سليم ، و كان من المتعبدين المجتهدين ، فإذا ذكر النبي صلى الله عليه و سلم بكى ، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه و يتركوه .
    و روي عن قتادة أنه كان إذا سمع الحديث أخذه العويل و الزويل .
    و لما كثر على مالك الناس قيل له : لو جعلت مستملياً يسمعهم ؟ فقال : قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي و حرمته حياً و ميتاً سواء .
    [ و كان ابن سيرين ربما يضحك ، فإذا ذكر عنده حديث النبي صلى الله عليه و سلم خشع ] .
    و كان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرأ حديث النبي صلى الله عليه و سلم أمرهم بالسكوت ، و قال : لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ، و يتأول أنه يجب له من الإنصات عند قراءة حديثه ما يجب له عند سماع قوله .

    ليست هناك تعليقات:

    Fashion

    Beauty

    Travel